المسابقة الرسمية العاشقون والمهمشون

كنا أشرنا إلى ارتفاع مستوى أفلام المسابقة الرسمية هذه السنة بالمقارنة مع الدورات السابقة كما أشرنا أيضا إلى أن ذلك لا يعني أن كلها روائع فنية

فذلك هو حال « لازارو السعيد » للمخرجة الإيطالية آليس روهرواكر التي تحصلت سنة 2014 على الجائزة الكبرى. ينتمي الشريط إلى ما يمكن أن ننعته بالواقعية السحرية، تركيبة إيطالية تجمع بين الواقعية الجديدة وعالم فيديروكو فيليني السحريفريق من المهمشين يعيشون في الريف في خدمة سيدة ارسطقراطيةتتابعهم الكاميرا في حياتاهم اليومية في أفراحهم وأحزانهم، يتقاسمون كل شيئ كالعائلة الواحدة، أبرزهم يسمى لازارو، شخصية ساذجة وساحرة. ينتقلون إلى المدينة إثر تدهور أوضاع سيدتهم الإقتصادية فيتحولون إلى هائمين ومشردين، وينزلق الشريط من عالم الخرافة إلى عالم الواقعية نتابع من خلاله قساوة الرأسمالية المصرفية المتوحشة. تكمن قيمة الشريط في عناية المخرجة بالشخصيات المهمشة وقربها منهم، تقدمهم كنموذج لضحايا نمط الإنتاج في بلادها دون السقوط في التسطيح الأيديولوجي أو التعاطف الركيك

في سياق شبيه جاء شريط كوري ايدا هيروكازو، « مسألة عائلية »، ولكنه كان أكثر رقة وصفاء من الفيلم الإيطالي. أفراد عائلة فقيرة جدا يعيشون على هامش المجتمع، يعثرون صدفة على طفلة مشردة في الشارع، يحاولون ارجاعها إلى عائلتها ثم يعدلون على ذلك لما يكتشفون عنف والديها وما كانت تعرضت له من قساوة. يقتات الأب رغيف عيشه من سرقات صغيرة داخل المغازات بمعية ابنه الصغير (والذي نكتشف لاحقا أنه هو أيظا من نصيب الشارع). يتعلم الفتى السرقة متبعا سراط أبيه. تجري الأمور هكذا في التخفي حتى لحظة وفاة العجوز صاحبة المحل المقيمين فيه. عندها تنقلب الأوضاع فجأة وتتسارع الأحداث بما لا يتماشى مع نمط عيش العائلة. تكتشف الشرطة أعمال الأب وزوجته المنافية للقانون (السرقات ودفن العجوز السري و وجود الفتاة غير المعلن عنه). يصدر حكم بالسحن على الزوجة التي تتحمل لوحدها مسؤولية ما وقع لحماية بقية أفراد العائلة، وتنتهي خرافة العيش خارج الأطر القانونيةكعادته لا يتعالى كوري ايدا هيروكازو على شخصياته بل يقترب منهم دون اصدار أي حكم أخلاقي على تصرفاتهم، يجعلنا نتفهما ولا نبررها بل ندرك نسبية القوانين المعمول بها في المجتمع والعنف المسلط على المهمشين باسم قيم عادلة في المطلق وظالمة قاهرة على أرض الواقع

أما الفيلم الياباني الثاني في المسابقة الرسمية فهو بإمضاء ريووزوكي هاماغوشي مخرج ناشئ تحصل في مهرجان لوكارنو سنة2015 على جائزة بشريطه « سانسز » الذي تم عرضه في قاعات السينما في فرنسا هذه السنة. يشارك في المسابقة الرسمية ب  » آزاكو 1و2 » فيلم لطيف حول الشباب والعشق، كلاسيكي (في موضوعهومتفرد (في مقاربته) وهو ليس بالأمر الهين. آزاكو طالبة لا يتجاوز عمرها العشرين سنة، تتعرف على باكو شاب جميل في رواق من أروقة مدينة أوزاكا، ترتمي في أحضانه دون مقدمات، تقبله وتقع مباشرة في حبه. ليس من السهل تصوير لحظة اللقاء الأول والتخلص من وطاة ما تراكم من كليشيهات في هذا الصدد. هاماغوشي يقدم تلك اللحظة في مشهد مذهل التقط فيه بأناقة نادرة سحر الإفتتان وسر نشأة العشق المفاجئة. ولكن سرعان ما يختفي الشاب بدون سبب ولا سابق انذار فتنتهي الحكاية بنفس السرعة التي نشأت بها

بعد عامين، نرى آزاكو في توكيو تشتغل في مطعم، تتعرف بشاب يشبه باكو إلى حد أنها اعتقدت أنه هو. تجري حياتها بصفة عادية بجوار حبيبها الجديد إلى أن تلتقي صدفة بالعشيق الأول الذي أصبح نجما فيشتعل نار الشوق من جديد، تترك آزاكو كل شيئ وترافق باكو حيث هو ولكن سرعان ما تدرك خطأها وتعود إلى حبيبها في توكيو. موضوع سبق أن عالجه الروائيون والسينمائيون، مع ذلك قدمه هاماغوشي في شكل مقنع رهيف يؤكد نشأة مخرج ياباني آخر

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

Bouton retour en haut de la page