مهرجان كان 72 انطلاقة واعدة

بقلم الطاهر الشيخاوي

الأموات لا يموتون لجيم جارموش

 

افتتح اذن شريط « الأموات لا يموتون » لجيم جارموش الدورة 72 لمهرجان كان السينمائي فكان الافتتاح أمريكيا خلافا للدورتين السابقتين. هذا أول ما يمكن الإشارة إليه (إذا أردنا استقراء هذا الإختيار ) أي أن الخلاف مع الولايات المتحدة الأمريكية وبالتحديد مع السينما الأمريكية الذي تواتر في السنوات الأخيرة ليس شاملا وقطعيا بل يخصّ نوعا من الانتاج، فالجميع يعلم أن جارموش سينمائي مستقل وقريب جدا في اتجاهه من سينما المؤلف الاوروبية الذي كان تأثيرها حاسما في اتباعه مسلك الفن السابع وبينا في مقاربته الجمالية. والإشارة الثانية هي وفاء المهرجان لعدد من المخرجين الذين اقترنت اسماءهم بكان اذ جل أعمال جارموش شاركت في المهرجان شأنه في ذلك شأن أغلب اصحاب الأفلام المشاركة في الأقسام الرسمية ككان لوتش والمودوفار والأخوان دردان وتارنتينو إلخ ، ثم الملاحظة الثالثة والأهم هي أن فيلم « الأموات لا تموت » بالتحديد، مع اشتغاله على جنس معين وهو جنس الأموات الأحياء أو ما يسمى بأفلام الزامبي، فهو يحمل شحنة نقدية لا لُبس فيها فيما يتعلق بقضايا العصر

وهو بالتحديد ما يتميز به العمل وما أجمع عليه النقاد. لم يتخل المخرج عن اختياراته الجمالية ولكنه شدد على نقد انحرافات المجتمع الأمريكي (وغير الامريكي) في ما يتعلق بالاستهلاكية المفرطة وانخرام التوازن البيئي، فمنذ البداية أشار عونا الشرطة الذان يمثلان الشخصيتين الرئيسيتين إلى علامات غريبة طرأت على الزمن والمحيط، اخلالات في التمشي العادي للأحوال الطبيعية، ولكن جارموش، وهذا أيضا مرتبط بفلسفة المهرجان، لم يسقط في الخطاب النقدي المباشر والفج، كما فعل دائما، بل التجأ إلى جنس بذاته، وهذا من عادته أيضا، واخضعه لميزاجه، فهذه النوعية من الأفلام تحمل جانبا هاما من الإثارة الفرجوية بحكم ما تثيره الأموات الأحياء من خوف وتمارسه من عنف، ولكن جارموش نحا منحى طريفا ظريفا لا يخلو من دعابة ونكتة جعله في الوقت ّذاته يوجه بطريقة غير مباشرة تحية لمن سبقه في المجال كجورج روميرو صاحب «ليلة الأموات الأحياء » الشهير ويجدد ثقته من ثلة من الممثلين الذين رافقوه في سيرته والذي أبى إلا أن يعيد استخدامهم في شريطه

ليس « الاموات لا يموتون » أفضل عمل قدمه جارموش ومن الصعب أن يتحصل على جائزة كبيرة ولكنه رسم للمهرجان من البدء خطه الذي نفترض أنه سيتضح في الأيام القادمة

ضريح سيد المجهول لعلاء الدين اللجم

لا بد من الإقرار بأن عدد الأفلام الجديرة بالمشاهدة كثيرة جدا هذه السنة، فصعبت المهمة. كيف يمكن

مشاهدة خمسة أفلام في اليوم الواحد والتمكن من الكتابة عنها دون احتساب ما تتطلبه بقية الأشياء الأخرى من وقت كمتابعة الللقاءات والمواعيد المهنية والأكل والراحة إلخ

قلنا يمكن التعرض بعجل للأفلام مع ابداء رأي سريع مع أمل الرجوع إليها في وقت لاحق للتمعن فيها أو في أهمها

رغبتنا كانت قوية في رؤية « ضريح سيد المجهول » لِما عرفناه عن مخرجه الشاب علاء الدين اللجم من تميز. فواكبنا أول عرض للشريط صباح الإربعاء مع الحادية عشر والنصف في قاعة المراماس الخاصة بأفلام أسبوع النقاد. حظي الفيلم بحضور غفير وترحاب حار .

كعادته اختار علاء الدين اللجم نفس الموضوع ونفس الأسلوب. هاجسه الأساسي هو حالة التناقض التي يعيشها المجتمع بين الحداثة والتراث بمقاربة غير مألوفة يغلب عليها نوع من العبثية مع تركيز خاص على الفضاءات المفتوحة. نقطة انطلاق الموضوع هي شاب يدفن كمية من الأموال سرقها في مكان ناء قبل أن يلقى القبض عليه، وبعد خروجه من السجن يرجع الشاب إلى مكان الدفن لاستخراج أمواله فيكتشف أن ضريحا قد بني فوق الموقع. ومن هنا تبدأ الرواية وتتداخل قصص شخصيات أخرى تسكن القرية لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالضريح دون أن تكون عناصر الحكاية محبوكة على الطريقة الكلاسيكية، فالغالب هو محاكاة أجناس سينمائية كالويسترن وتركيب عناصر مختلفة كونية في شكلها وعناصر حضارية محلية في مضمونها. لقطات ثابتة وفضاءات واسعة وشخصيات منمطة عمدا ووضعيات مضحكة تجعل المتفرج يأخد مسافة نقدية تجاة جوانب من الممارسات الثقافية والإجتماعية بالمغرب الأقصى.

هل توفق علاء الدين اللجم في شريطه ؟ يبقى السؤال مطروحا ولكل جوابه. المهم هو طبيعة المحاولة وجرأة المخرج في تمشيه ولنا عودة للموضوع بأكثر ترو

ثور لآني سلفرشتاين

أنتقلنا بعدها إلى قاعة ديبوسي حيث شاهدنا شريطا من قسم نظرة ما وهو « بول » للمخرجة الأمريكية آني سلفرشتاين. مخرجة أمريكية سبق لها أن تحصلت في كان على جائزة السينيفنداسيون وهاهي ترجع هذه السنة بشريط طويل لن يمر في نظري مرّ الكرام. شريط عميق ودسم، تجري أحداثه في غرب مدينة هوستن في حي فقير. علاقة طريفة تنشأ بين كهل ذي بشرة سوداء وفتاة صغيرة بيضاء البشرة تعيش حالة من الاضطراب، والدتها قابعة في السجن . آيب مربي ثيران ومنظم حفلات روديو كان له صيت في الماضي ولكن ما تعرض له من إصابات أجبره على التخلى شيئا فشيئا على نشاطه. تبدأ العلاقة بينه وبين المراهقة كريس بداية خصامية ثم تتغيير تدريجيا فتقوى وتتعزز فتجعل كريس تقترب من عالم آيب وترغب في ممارسة فن الركوب على الثيران الوحشية. تختار المخرجة أسلوبا متميزا يمزج بين الوثائقي والروائي في متابعة للشخصيات لصيقة ودقيقة ترصد بفضلها التحولات الطفيفة والدقيقة التي تطرأ شيئا فشيئا على نفسية الفتاة, شريط في غاية من اللطف والعمق يذدهب بالمشاهد بعيدا في استكشاف مسألة الآخر

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

Bouton retour en haut de la page