الصيف لكيريل سيريبرينيكوف في المسابقة الرسمية
كان« الصيف » بلا منازع أهم حدث فني متميز منذ بداية المهرجان إلى حد كتابة هذا المقال. يعتبر كيريل سيريبرينيكوف من أبرز المخرجين الروس وهو أيضا مسرحي ومثقف ملتزم. لم يكن حاضرا لتقديم عمله بسبب قرار قضائي سلط عليه من طرف المحاكم الروسية بتعلة الاستلاء اللامشروع على أموال عمومية. لم يتمكن سيريبرينيكوف من السفر بالرغم من مساعي إدارة المهرجان لدى السفارة الروسية.فأثناء تقديمه للفيلم، ذكر تييري فريمو بنوع من الحياد الساخر أن الرئيس فلاديمير بوتين، في ردّه على الطلب، عبر هو أيضا على رغبته في أن يكون كيريل سيريبرينيكوف بين الحاضرين ولكن القضاء مستقل في روسيا ولا دخل له في ذلك بينما يعلم الجميع مواقف المخرج الشجاعة تجاه النظام.
وانطلق عرض الفيلم فكان ساعاتين من السحر والروعة لا يحتملان عدم الاكتراث، لا من لدن الجمهور الذي عبر عن اعجابه بالتصفيق الحار بعد فرجة الفيلم ولا من لدن لجنة التحكيم التي نفترض أنها لن تغفل على تقدير العمل التقدير اللائق به
تدور أحداث الشريط في الثمانينات فترة ما قبل البريسترويكا، تعيش روسيا آنذاك مرحلة انهيار الشيوعية تحت أنظمة اندروبوف وتشرنينكو وغورباتشيف. يتناول الفيلم تطور الحياة الموسيقية الأندرغراوند والديناميكية التي شهدتها في أوساط الشباب. فكان لنشر اسطوانات موسيقى لو ريد ولاد زيبلين ودافيد بوفي في ذلك الوقت تأثير بالغ لدى هواة الموسيقى الغربية التي طبعت الستينات. كان يمكن أن يقتصر العمل كأغلب الاعمال المتعلقة بهذا الموضوع على الجانب الإستعراضي والإكتفاء بما يثيره الآداء الموسيق لدى المشاهدين من مشاعر ، ولكنه تجاوز ذلك بكثير، وتوفق في تناول جوانب عديدة من الحياة الإجتماعية والثقافية بطريقة عميقة ودقيقة جدا. لأن رواية الأحداث انطلقت من وجة نظر شخصية ناتاشا زوجة أحد رموز الموجة وهي شخصية عميقة ورهيفة الحس، لم تكن فاعلة موسيقيا ولكنها قريبة من الشخصيات الرئيسية، فهذه المفارقة أي قربها من الأحداث وبعدها عنها جعل من اختيار منظورها نقطة قوة في البنية السردية، وما زاد في وجاهة النظرة هو ما تشعر به من ارباك عاطفي بين زوجها مايك وفيكتور الفنان الصاعد، صراع داخلي فتح هامشا للمشاهد لمتابعة التحولات الجارية. فساهمت هذه المراوحة بين مشهد الوضع العام وحياة الشخصيات الخاصة في مقاربة الواقع وقراءته قراءة مثيرة وطريفة . ثم كانت براعة المخرج في استعماله لأساليب الإخراج في خدمة موضوعه بعيدا عن استعراض القدرات الفنية الذي غالبا ما ينأى بالعمل عن الأساسي نحو استهواء المشاهد أو لجان التحكيم. فاختيار الأبيض والأسود لم يكن مجرد تلاعب شكلاني يقتصر على الإشارة الساذجة إلى الماضي بل حمل تلوينات، ان صح التعبير، إضافية في دلالات الإحالة على الماضي، خاصة أن لقطات ملونة تخللت أحيانا الفيلم في تركيبة متفردة ذكية وجميلة. كما يجدر التنويه بطريقة السرد التي اعتمد فيها المخرج اساليب تقنية تذكر بالرسوم المتحركة
كل ذلك مجتمعا ووعي سيربيرينيكوف الحاد بقضايا روسيا الآن أنتجا عملا يستحق فعلا التنويه والإعتراف