انسانية لا متناهية في »منبار بيرييت » لروزين مباكام

بقلم الطاهر الشيخاوي

تتوالى العروض ويصعب التوفيق بين ضرورة مواكبتها والرغبة في الكتابة عنها. إلّا أن بعض الأعمال تستوقفك بالرغم منك، فتقف وتكتب ولو قليلا. كذلك كان الأمر مع شريط روزين مباكام، المخرجة الكامرونية التي يعرفها متابعو الشأن السينمائي الإفريقي من خلال أعمال سابقة حضيت باهتمام كبير ومشروع، ك »وجهان لإمرأة باميليكي » و »أدعية دلفين ».

« منبار بييريت »، بورتري يثير الإعجاب بل يفرضه فرضا. لنبدأ بما توفقت المخرجة في تجنبه وهو ما يصعب تجنبه على الكثير : الاستعمال المفرط واللّاضروري للأساليب البلاغية التي تتيحها تقنيات السينمـا. نقول هذا ونؤكد عليه لِما تُوفّره صناعة الصّورة من إغراءات بديعية. اقتصادٌ عجيب في نمط التصوير. والسؤال يصبح : ماذا بقي إذا تجنبنا حركة الكاميرا وأساليب المونطاج العديدة والمؤثرات الأخرى التي لا تحصى خاصّة لما يتعلق الأمر بمسائل اجتماعية وثقافية وسياسية كتلك التي يتناوله الشريط ؟ يبقى الأساسي.

 

تلتصق الكامريا بييريت ولا تكاد تتخلى عنها كما لو كانت جزءا منها. لقطات قريبة جدّا من الشخصية في ملازمة مستمرّة لها. القرب هنا لا يعني طبعا فقط التأكيد على أنها الموضوع الرئيسي ولكنه يفترض أن بيريت مهما اقتربنا منها لن تستقي منها ما يكفي من معلومات، أي ديمومة القرب تجعلنا مع مرور الوقت في مساءلة مستمرة عن شخصيتها : كيف يمكن لهذه المرأة أن تتحمل كل ما تتعرض إليه من صعاب، كيف يمكنها أن تصمد أمام قساوة الحياة والخصاصة،  كيف يمكنها أن تصمد أمام مجتمع ذكوري لا يرحم، أمام مجتمع لا يبالي بالفقير، أمام سياسين لا هم لهم سواهم ؟ ملازمتنا لها تجعل منها رفيقة صديقة نحفظ ملامحها ولا تستوفي معانيها. بدلا عن استعراض الأحداث التي يمكن أن تدلّنا على همومها ومشاكلها، تقف الكاميرا إلى جانب بييريت في التقاط ثابت وصبور لما يمكن أن يختلج في نفسها من موارد إنسانية تجعل إبتسامتها دائمة وعزيمتها لا متناهية. هذا لا يعني أن تغفل روزين مباكام من حين إلى حين على الإشارة إلى مصادر العنف بل تصبح هذه الإشارات بفعل ندرتها أقوى وأعمق. هنا تأخذ الدمية (التمثال الأنثوي العارض للزي) معناها الحقيقي فهي تماما عكس بيريت، يتوقف معناها على ملامحها بينما لا تمثل ملامح بييريت سوى العلامات الخارجية التي لا تروي إلا القليل عما يختلج داخل ذلك الكيان الذي يكاد يستحيل الإلمام الكامل بشخصيته

ثم قلة الأساليب لا تعني انعدام الأساليب وإنما أهميتها فلمّا يقترب الفيلم من النهاية تبتعد الكاميرا قليلا عن بييريت فينفتح الحقل وندرك المحيط الدائر بها في ذلك الحي البائس من دوالا وبعض الأشخاص الآخرين فينسحب عليهم ما حصل لنا من اطلاع ومعرفة طوال مرافقتها لبييريت مدة تسعين دقيقة

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

Bouton retour en haut de la page