الأبديون لدجا زان كو
من درر المسابقة الرسمية
لا شك أن دجا زان كو يعد من أهم المخرجين الصينين الذين فتحوا طريقا جديدة في سينما
بلادهم. فضلا عن ريادته لجيل كامل من السينمائيين وهو الجيل السادس، عرف منذ سنوات وكنا تأكدنا من ذلك في عمله الأخير « وراء الجبال » سنة 2015 ، عرف باتباعه للمنهج الواقعي ومتابعته لتحولات المجتمع الصيني وانعكاس تطور الرأسمالية على العلاقات البشرية.
. يعود هذه السنة في المسابقة الرسمية بشريط من نفس الجنس
تغطي أحداث الفيلم تقرببا سنوات العشرية الحالية وبالتحديد من 2001 إلى2018
يتابع الراوي قصة كياو وحبيبها بين الذين تربطهما علاقة عشق وتواطئ في الإجرام، ويواكب الأحداث المتوالية خلال هذه الفترة والتي تقرب بينهما حينا وتفرق بينهما حينا.تقوم بدور كيا رفيقة درب المخرج وزوجته ومصدر إلهامه، زاو تاو وكانت رافقته في كل أعماله. احتلت في فيلم « الأبديون« مكانة أساسية وتألقت تألقا مبهرا. أهمية العمل تكمن في قدرة المخرج الفائقة على ربط حكاية العشق بتطور السياق العام وتأثير رأسملة المجتمع الصيني على العلاقات البشرية.شريط واقعي دفع العديد من النقاد هنا في فرنسا إلى مقارنته بالروائي الفرنسي أونوريه دي بالزاك. مقارنة تستقيم من حيث أن دجا زان كو توفق فعلا، على الأقل في فلميه الأخيرين، في رسم مشهد تحول الصين نحو النظام الرأسمالي بطريقة روائية رائعة ؛ ولكن لا بد من التأكيد على خاصية أسلوبه الذي يبتعد عن الوضعية التي سادت القرن التاسع عشر . إذ اعتمد تمشيا مدهشا في تقنيات السرد لها علاقة وطيدة بواقع القرن الواحد والعشرين
أولا، وكما سبق أن ذكرنا، تحتل شخصية كيا مساحة كبيرة جدا تفوق مجرد كونها الشخصية الرئيسية فهي فضاء دلالي واسع في حد ذاتها، تجمع عناصر مركبة، كما لو كانت لوحدها شخصيات مختلفة، وهو ما يضفي عليها شيئ من الرمزية التي تنير مجمل الفيلم.فشخصيتها مركبة، هي في ذات الوقت إمرأة عاشقة لا تتحكم دوما في مشاعرها وسيدة قادرة على فرض سلطتها في أوساط الجريمة وضحية سهلة ولها ملكة لاعقلانية في حبك استراجيتيات ومكائد مدهشة، كل ذلك معا فاختلفت وظيفة الزمن على ماهي عليه في الحكي الواقعي الكلاسيكي، إذ تقتصر هنا على توفير الفرص، ونحن ننتقل من مرحلة إلى مرحلة ومن مدينة إلى أخرى، لإبراز كل هذه الطبقات المكونة لشخصيتها
لذلك كان الخط السردي غير متواصل، فالثغرات في صيرورة الزمن مفاجئة وعميقة إلى درجة يفقد فيها تسلس الأحداث جانبا كبيرا من العقلانية ويعطي انطباعا برجوع الزمن إلى الوراء فعندما تلتقي الشخصيتان بعد العديد من التقلبات في منطقة داتونغ حيث انطلقت القصة (مسقط رأس المخرج و حيث تجري مجمل حكاياته) يبدو لنا وكأن حركة التاريخ تعثرت
ولا يمكن اعتبار ذلك من باب التلاعب الشكلاني كما يحدث أحيانا ولكنه ينم على قراءة عميقة في منطق النظام الرأسمالي في الصين واتجاهه الرجعي ومفارقاته الاعتباطبة وخوائه الأخلاقي
كل ذلك حتم على المخرج اتباع نظام متحول مختلط تتداول فيه أنظمة أجناس مختلفة (من الثريلر إلى الدرامة العاطفية إلى الدراما الاجتماعية إلى الكوميديا) بما يشفي غليل المشاهد الهاوي للسينما