من « صراط » إلى « كعكة الرئيس » مرورا ب »ملف « 137

بقلم الطاهر الشيخاوي

« صراط » في السابقة الرسمية، الضياع بين الشمال والجنوب

من السينمائيين المنتظرين، أوليفيي لاكس، فرنسي من أصول إسبانية. كان تحصّل شريطه La voie de l’Atlas على جائزة لجنة التحكيم في قسم « نظرة ما » سنة 2016. رجع هذه السنة في المسابقة الرسمية ب »صراط »،  (Sirat) تدور أحداثه (ان صحّت العبارة) بالمغرب. لويس، كهل في الخمسينيات من العمر، يبحث عن ابنته التي غابت عن الأنظار منذ مدّة. افترض أنه يمكن العثور عليها في حفل موسيقي تنظمه مجوعة من الشباب،.يرافقه ابنه الصغير في بحثه. تحتلّ الموسيقى المعاصرة من نوع التكنو مكانة هامة في الفيلم، بل تمثل الرافع السردي الأساسي .

ينحو الفيلم إلى حدّ منحى التريب موفي او ما يمكن أن نعبر عنه بأفلام الرحلة وما شابهها من أفلام تشتغل على الفضاءات الواسعة وعلى المزايدة في عبورها بواسطة الشاحنات الثقيلة. شباب هامشي، كثير في بداية الشريط وقليل في نهايته، يتغذى أويتخدّر بالموسيقى يوحي بشخصية البنت المفقودة، الشريط يراوح بين حالة التخمر هذه والحالة الدرامية لأب فقد ابنته. حالة الضياع تتزايد مع مرور الأحداث إلى  حدّ التراجيديا. يمكن الحديث مطوّلا على مثل هذه الأفلام التي تنحى الأقصى، لست ممن لا يجد معنى في هذه الحال لمثل هذا المنهج. أرى عكس ذلك فاختيار المغرب ليس فولكلوريا لأن الفضاء هنا يمثل خطرا بسبب العبور والخلافات الترابية. نهاية الشريط أكبر دليل على ذلك : لما تجد الشخصيات الرئيسية أو ما تبقى منها (ولم يبق منها إلاّ القليل) لما تجد نفسها ملزمة بركوب قطار سلع، نراها بين جموع من المهاجرين. فيصبح الضياع التراجيدي ذا وجهين، وجها وجوديا بالمعنى الفلسفي ووجها وجوديا بالمعنى الحياتي. كأنما أزمة هؤلاء الشباب القادم من الشمال لا يمكن تفسيرها إلاّ من خلال أزمة الشباب القادم من الجنوب.

« كعكة الرئيس » لحسن هادي، في سياق الواقعية السياسية

« كعكة الرئيس( في قسم « نصف شهر السينمائيين ») فيلم عراقي طريف لحسن هادي، يروي قصّة لميا تلميذة في التاسعة من العمر يكلفها المعلّم بإعداد كعكة بمناسبة عيد ميلاد صدام حسين في آخر سنة له في الحكم. فيلم لايخلو من الهفوات في السرد والإخراج إلاّ أنه يبقى مقبولا إجمالا لقدرته على كشف العديد من مظاهر الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية للبلاد بفضل بساطته الوديعة. فمغامرات لميا وزميلها تحمل المشاهد إلى التماس وقع التسلط السياسي على العلاقات البشرية، في رحلة مرحة بالرغم من جدّة الموضوع. هنا تكمن أهمية الشريط، رؤية متواضعة، خفيفة لقضايا في غاية من الخطورة يحاول من خلالها المخرج قدر الإمكان الابتعاد عن الخطاب الأيديولوجي المنمط.

« ملف 137 » Dossier 137 وتجاوزات البوليس في تعامله مع المتظاهرين

عمل سياسي بامتياز يتناول موضوعا في غاية من الأهمية في السياق الفرنسي : أثناء مظاهرات السترات الصفراء التي شهدها البلد في أواخر العشرية المنقضية. فيلم روائي مستوحى من حدث أثار جدلا كبيرا حينها. شاب يتعرض لضربة في رأسه أطلقها شرطي مستعملا قاذفة رصاص الدفاع .(LBD)

Photos de plateau sur le film DOSSIER 137 de Dominik Moll
Commande pour Haut & Court Distribution
© Fanny de Gouville // Modds

دومنيك مول Dominik Moll، سينمائي مشهور، عرف بتخصصه في الأفلام التي تحقق في الملفات السياسية وقضايا التلاعب والمناورة من أشهرها « هاري، صديق يريد لك الخير » Harry, un ami qui vous veut du bien الذي نال إعجاب الجمهور وعديد الجوائز. ستيفان ضابطة شرطة تشتغل في التفقدية العامة للشرطة الوطنية (IGPN)، يوكل لها ملف شاب لحقه ضرر شديد بسبب استعمال هذا النوع من السلاح. كل الدلائل تؤدي إلى براءته. القضية تحمل شيئا من الغموض لكن المحققة (ليا دروكر) Léa Drucker علقت أهمية قصوى للملف لأسباب عديدة منها المتعلقة بالضمير ومنها المرتبطة بحياتها الخاصة. قيمة الشريط لا تكمن في فضح عملية التلاعب بالملف بقدر الغوص في جوانبه الدقيقة  وما تتركه المؤسسات من غموض يتيح مجالا للتلاعب والظلم. من الصعب تجنب التبسيط في مثل هذه المسائل إلاّ أن حنكة المخرج تضع المشاهد في حالة من التساؤل والحيرة تجاه الأساليب البوليسية المعمول بها في سياقات تدعي احترام حقوق المواطنين .

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

Close

Child Porno