ظل الأب » ينير مهرجان كان »
بقلم الطاهر الشيخاوي
« ظل الأب » يُنير قسم « نظرة ما »
أول عمل طويل لأكينولا ديفيز (Akinola Davies Jr) . فيلم ينضاف لسلسلة الأفلام ذات البعد السياسي. لأول مرّة يشارك سينمائي نيجيري في المسابقة الرسمية. اعترف فريمو في تقديمه بأهمية الأفلام القادمة من البلدان الإفريقية التي لا تعرف تقاليدا سينمائية كالسودان واثيوبيا وكينيا. وليس من الصدف أن تأتينا منها أعمال متميزة تضاهي بل تتجاوز أحيانا أبرز الأفلام الغربية.
« ظل الأب » فيلم روائي أوّل لا يحمل هنات البدايات التي يصعب تجنبها . نضج مدهش. صحيح أن الأمر يتعلّق بشباب متشبع بالثقافة السينمائية العالمية، إلاّ أن اطلاعه هذا، لمّا يرتبط برغبة حقيقية في التعبير يولّد قدرة فائقة على توظيف الأساليب السينمائية في تناول القضايا الأساسية التي تختزل أغلب ما يعانيه عالمنا
القصّة مستوحاة من حياة المخرج وأخيه الذي ساهم في كتابة السيناريو. أخوان، واحد في الحادية عشر والثاني في الثامنة من العمر يعيشان بعيدا عن المدينة مع والدتهما أو هكذا نفهم. لمّا تبدأ الأحداث نراهما في المنزل يتناولان فطورا أعدّاه بمفردهما، نعلم لاحقا أن الأمّ تغيبت يومها لقضاء حاجة في القرية المجاورة. رغم وجودها المفترض لا نراها (خلافا للأب) إلاّ في نهاية الشريط. يرفع الصبيّان النظر إلى السماء المغشاة بسحب عابرة، يحلق فيها سرب من الطيور، ثم تندلع ريح تنبئ بزوبعة، فيلتفتا إلى بعضهما البعض كأنما شيئا حدث داخل البيت. وهنا يتفاجآن بوجود أبيهما الذي غاب عنهما منذ زمان، منذ عيد الفطر.
هكذا تبدأ الحكاية، الأم غائبة والأب لم يأتيهما خبره منذ زمان، سماء تهدّد بتحوّل مفاجئ في الطقس، وصوت الأخ الأكبر يكرّر « أبي، سوف أراك في أحلامي ». كل ذلك مسبوق (هكذا يبدأ فعلا الشريط) بلقطات خاطفة، شظايا واقع تمتزج فيها مشاهد اضطرابات سياسية ولحظات حميمية في المنزل وجدران بائسة وشوارع مكتظة. منذ الدقائق الأولى نلج في حيرة عالم السينمائي حيث يتظافر قدر الطفلين بتحوّل سياسي كبير، نفهم لاحقا أنه الانقلاب الذي أوقف فجأة الانتخابات الرئيسية في خريف 1993
هل رجع الأب فعلا إلى المنزل بعد غياب طويل أم هي لقطات من خيال الابن؟ هذا الغموض بين الواقع والخيال مكوّن أساسي للفيلم، أما غياب الخطية الواقعية فيدلّ على ما يدور في خيال الطفل ويعبّر في الوقت ذاته على عدم قدرتنا والراوي على التماس الواقع بوضوح نهائي. يقترح الأب على إبنيه مرافقته إلى لاغوس. لأول مرّة تطأ أقدامهم المدينة الضخمة. تتزايد دهشتهما لمّا يكتشفان عالم الأب، اذ لاندري إن كان غيابه راجعا إلى عمله فقط كما يدّعي أم أنّ له مآرب أخرى قد تكون سياسة أو غير ذلك.
لسنا في رفض شكلاني أو اعتباطي للتسلسل المعهود وإنّما في قراءة لواقع مرير تنعدم فيه المعايير المعتادة، فعلى المشاهد أن يعيد تركيب الأحداث وفهمها. عمل أّوّل في غاية من الأهمية والعمق يلتقي مع أفلام أخري قادمة مما يسمى بالجنوب العالمي، نرجع إليها في مقالاتنا القادمة