« مهرجان كان 77: من « الماس الخام » إلى »طربق حمراء

بقلم الطاهر الشيخاوي

لا فائدة في انتقاد برمجة أفلام الدورة 77 لمهرجان كان السينمائي في الأقسام الرسمية ولا حتى في البحث عن معايير انتقائها. الكلّ يعلم أنّ الأعمال المختارة في المسابقة الرسمية لا تتضمن السمين فقط ولا يدّعي المشرفون عليها الاعتماد حصريا على مقاييس الإبداع الفني.

في المسابقة الرسمية

أوّل شريط في المسابقة الرسمية، « الماس الخام » (Diament brut) للمخرجة الفرنسية آغات ريدنجر Agathe Riedinger لا يرقى في نظري إلى مستوى لافت من الإبداع مع أهمية موضوعه.  ربما طغى الموضوع على صياغته في أذهان المنتقين. لم يكن من السهل الحصول على مقعد لمشاهدة الفيلم، امتلأت قاعة لوي لوميير الكبرى (2300 مقعدا) وبمجرد انتهاء العرض انطلق التصفيق ولم يتوقف.

فعلا كان الموضوع، مرّة أخرى، ساخنا : فتاة في التاسعة عشر من العمر من وسط شعبي تصبو إلى الشهرة عبر برامج الشبكات الاجتماعية، لا تتردّد في القيام بأي شيء للوصول إلى غايتها في اندفاع لا نظير له. رغبتها جامحة في تجاوز كلّ العقبات، كلّها تحدّ وحيوية. ثم ضاعف خلافها مع والدتها جأشها وعنادها. مرّة أخرى يُطرح موضوع النساء وما تعانيه من صعاب وعراقيل، هنا في سياق مجتمعي صعب. وضعت السينمائية كلّ ما وفّرته السينما من أساليب (مونطاج وموسيقى وحركات كاميرا) للتعبير على هذه الرغبة إلاّ أنها لم تتوفق تماما في ذلك. استعمالها المفرط للأساليب البلاغية أغرق الموضوع في نوع من الضجيج أدّى في مرات عديدة إلى نتيجة عكسية أو كاد. هذا لا يعني، بل بالعكس، أن العمل لن يلقى قبولا من طرف الجمهور العريض وحتى من عديد النقّاد ومبرمجي المهرجانات. ولكنها مسألة أخرى.

في قسم « اسبوعا السينمائيين »

بمناسبة نيلها العربة الذهبية (Le Carrosse d’or)، تقرر عرض شريط أندريا أرنولد Andrea Arnold « طريق حمراء »  (Red road) في قسم « أسبوعا السينمائيين »، أخرجته صاحبته سنة 2006، تحصّل حينَها على جائزة لجنة التحكيم. فرصة مُنحت للجمهور لمزيد التعرف على هذه المخرجة البريطانية التي ذاع صيتها. علما أن المخرجة تشارك هذه السنة بعمل جديد في المسابقة الرسمية (Bird).

من صُدف البرمجة أنّ آغات ردجندر، في تقديمها لشريط « الماس الخام »، ذكرت أندريا أرنولد كمصدر من مصادر إلهامها ومثالا تحتذي به. ولكن الطريق لا تزال، في رأي، طويلة أمامها لبلوغ ما بلغته المخرجة البريطانية. فـ »طريق حمراء »، مثلا، يعكس قدرة فائقة على كتابة السيناريو ومهارة كبيرة في شدّ اهتمام المتفرج. نتابع الشخصية الرئيسية، جاكي، وهي تستعرض أثناء عملها صور كاميرا المراقبة. تتمعّن فيها باهتمام شديد مركّزة على شخص ذي سوابق. تعتقد، وبالتحديد نعتقد أنها تعتقد، أنه بصدد الإعداد للقيام بعمل مشين. لا يفهم المشاهد طوال الشريط ما تلتمسه جاكي عند هذا الرجل بالتحديد إلى أن يتبين الأمر عند نهاية القصّة. في الأثناء، وفي طيّات الفيلم، يرتسم لنا شيئا فشيئا خطابٌ عن الصّورة في غاية من العمق تقوده المخرجة بذكاء فائق، يذكرّنا بأنتونيوني. وفي ذات الوقت ينشر الفيلم من خلال هذه الصّور قراءة سوسيولوجية لصيقة بقضايا الفئات المهمشة في بريطانيا.

تتوالى الأفلام وتتفاوت القدرات ومهرجان كان يوفّر لنا فرصة لتبين ما يميّز هذا المخرج من ذاك. والرحلة متواصلة…

نشر في 16 ماي 2024

https://www.jomhouria.com/art158757_في%20قسم%20نظرة%20ما:%20القرية%20المجاورة%20للجنة%20لمو%20هاراوي%20نجم%20يخترق%20سماء%20كان

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

Bouton retour en haut de la page

Child Porno