مهرجان كان 77: بداية قوية وتألّق السينما الفرنسية

بقلم الطاهر الشيخاوي

انطلقت الدورة 77 لمهرجان كان السينمائي بحفل رشيق، رسم بوضوح شعاره : قضية النساء في السينما و نضالهن ضد التسلط الرجالي وما تعرضنا له من تحرّش وعنف.  لم ينفكّ مهرجان كان، على الأقل في تمظهراته الاحتفالية التأقلم مع قضايا السّاعة.

L’actualité oblige !

اختيار رئيسة لجنة التحكيم، غريتا غيرويغ (Greta Gerwing)، والاطناب في ذكر خصالها ومقاومتها من خلال اعمالها، ثم تشريف ميريل ستريب (Meryl Streep) وإسنادها السعفة الذهبية الشرفية وتكليف جوليت بينوش (Juliette Binoche) بتسليم الجائزة، كل ذلك أكّد انخراط المهرجان في مساندته لمقاومة العنف المسلّط على النساء في السينما. حفل إعلامي (بل إعلاموي ان صحّ التعبير) بامتياز.

أما شريط الافتتاح فكان  » الفصل الثاني » (Le deuxième acte) لكانتن دي بيو (Quentin Dupieux). سينمائي تخصص في السخرية العبثية، يحتل مكانة منفردة في المشهد السينمائي الفرنسي. عرف بغزارة إنتاجه وأسلوبه المتوغل في العبثية.

لا يمكن انكار الذكاء الذي اتسمت به البرمجة. حكمة في اختيار شريط « الفصل الثاني » الذي جاء في حركة رشيقة مقابلة للخطاب المتلطف الذي ساد الافتتاح.

أما أبعاد « الفصل الثاني » فهي متعدّدة بالرغم من انطباع عدم المبالات والخفّة. أوّلا الفيلم خطابٌ حول السينما. أن يكون العمل الافتتاحي انعكاسا للسينما ذاتها، أنْ تستهلّ أهم تظاهرة سينمائية في العالم دورتها بشريط عن السينما يستعرض مسائل أساسية في صناعة الفيلم فهي مبادرة رشيقة. ثانيا الفيلم فرنسي وهو اختيار يؤكّد الحالة الصحية للفن السابع بفرنسا الذي لا بد من الإقرار بأنه يتسم بجودة عالية ومستوى ابداعي راق بالمقارنة مع السينمات العالمية الأخرى.

ثم تأتي قيمة الفيلم في حدّ ذاته وهي في رأيي مرتفعة للغاية. نجح كانتن ديبيو حيث أخفق العديد من السينمائيين. أي في النأي عن التباهي بالجدّية والتظاهر بحسن السيرة دون السقوط في الابتذال والسطحية. ذهب ديبيو بعيدا في حقل اللامبالاة والعبثية في اللّعب بالقيم السائدة والتي تبدو محمودة في أخلاقية المهنة. الحبكة الدرامية عادية بل معتادة لا تحمل أي إضافة تذكر لكن صياغتها السينمائية طريفة جدّا. فيلم بصدد الإنجاز وممثلون يتدربون على حفظ حواراتهم في غموض متقن يجعل المشاهد لا يتبين التخوم الفاصلة بين الواقع والخيال. مشاهد مضحكة ومذهلة أخفت في طياتها أسئلة لا تتناهى أبعادها الفكرية والأخلاقية.

في افتتاح « أسبوعا السينمائيين » جاء شريط  » حياتي، وجهي » (Ma vie, ma gueule) ليؤكد ما ذهبها إليه من أن السينما الفرنسية تتمتع بصحة لافتة. قد لا نخطئ في مقارنة شريط صوفي فيليار (Sophie Fillières) بشريط ديبيو بالرغم من الفوارق الهامّة التي تفصل بين العملين. إلاّ أنهما يلتقيان في درجة الجرأة الإبداعية. العبثية هنا تتّسم بمزيد من الدراما خاصّة أن المخرجة توفيت بعض الأسابيع بعد تصوير الفيلم. تركت لابنها وابنتها مهمة المونطاج وكلّ ما يتعلق بما يلي الإنتاج. افتتاح قسم « أسبوعا السينمائيين » ب »حياتي، وجهي » يحمل نفس الدّلالات التي ذكرناها في مستهل مقالنا. فيلم من إخراج امرأة يتناول حياة إمرأة تشكو من حالة نفسية متعكّرة، تكتب شعرا، أمٌّ تربطها علاقة غير طبيعية بابنها وابنتها، امرأة منفصلة عن زوجها، وغير منسجمة تماما مع محيطها المهني والإجتماعي. أوكل دور المرأة للممثلة آنياس جاوي (Agnès Jaoui) التي قدمت الكثير للشّخصية. عمل قوي جدير برؤية ثانية وثالثة، يحمل أكثر من معنى.

 

نشر بجريدة « أخبار الجمهورية » في 15 ماي 202

https://www.jomhouria.com/art158614_مهرجان%20كان%20السينمائي:%20بداية%20قوية%20للدورة%2077%20وتألق%20السينما%20الفرنسية…%20بقلم%20الناقد%20السينمائي%20الطاهر%20الشيخاوي

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

Bouton retour en haut de la page

Child Porno