حصيلة أولى لجيل جديد من السينمائيين الأفارقة والعرب
بقلم الطاهر الشيخاوي
لا يولي نقاد السينما أهمية كبرى للجانب التجاري لمهرجان كان، الأمر يبدو طبيعيا لأن مهمّة الناقد تتمثل في التعليق على الأفلام وفي أفضل الحالات في تحليلها لتبيان الجديد فيها أو المتفرد منها. والحالات الفضلى هاته قليلة فترى العديد من « النقاد » يلجؤون إلى نواحي جانبية وهي كثيرة في السينما، معطيات إضافية تتعلق بالموضوع أو أخبار عن الممثلين أو ظروف التصوير إلخ من الأشياء المثيرة أو أخرى مفيدة. والحال أن أهمية السوق، وهي أساسية في مهرجان كان، لها تأثيرها على البقية. فبديهي أن السينمائيين الكبار، مثل فيم فندرس وكوري ايدا وناني موريتي ونوري جيلان وآكي كورسماكي وغيرهم أصبحوا بطريقة ما علامات تجارية
Comme des marques de fabrique
طبعا هذا لا يعني أبدا أن لا دخل لجودة أعمالهم في اختيارها كما لا يعني العكس. هنا يكمن كلّ اللعب أو حتى نتجنب إساءة الظن لنقل هنا تكمن مهارة البرمجة. فيأتي جانب المخاطرة في جلب بعض المخرجين الشبان وخاصة منهم القادمين من بلدان بعيدة عن عالم السينما. فقسم « نظرة ما » يندرج في هذا السياق. إذا فهمنا هذا، يمكن تجنب الغضب الذي قد يحصل أحيانا عندما يغض المهرجان الطرف عن أعمال نعتبرها نحن جديرة بالاهتمام نظرا لقيمتها الفنية.
فالسؤال : هل بلوغ الأفلام الإفريقية هذا العدد يدلّ على انتعاش وتطور للسينما في هذه المناطق ؟ يصبح لا معنى له تماما. بل لنجزم أن السينما لم تشهد في جلّ بلدان إفريقيا والعالم العربي تطوّرا ملحوظا لا في الإنتاج ولا في التوزيع.
كثافة الأفلام العربية والإفريقية (وهي نسبية طبعا) تدلّ ان كانت لها دلالة على تطوّر المهرجان الذي يشعر بالحاجة الملحّة إلى انفتاح أكبر على ثقافات أخرى وأجيال أخرى. فتأتي إفريقيا هنا، يحملها سياقٌ جيوستراتيجي خاصّ جدّا يعلمه متابعو الشأن السياسي المرتبط بعلاقة فرنسا بالقارّة الإفريقية.
فالمثال المغربي يكتسي أهمية كبيرة في هذا المجال لأن الإنتاج السينمائي في المغرب عرف تزايدا ملحوظا منذ أكثر من خمس عشر سنة. مع قدوم الملك محمد السادس وتعيين المرحوم نور الدين السايل على رأس مؤسسة السينما تجاوز الإنتاج أكثر من عشرين فيلما في السنة فاحتل المغرب المرتبة الثانية بعد مصر بالتساوي مع افريقيا الجنوبية. ولكن لم يحصل المغرب على هذا الاهتمام في هذه السنوات.
ولكن في نفس الوقت لا بدّ من الإقرار بأن القيمة الفنّية لم ترتق إلى المستوى المطلوب بينما نلاحظ فعلا تحوّلا نوعيا هذه السنوات الأخيرة وهو ما أدركته إدارة المهرجان. فالمهارة تكمن هنا.
فإلى جانب نبيل عيوش الذي أصبح فعلا صديقا للمهرجان ومريم التوزاني زوجته التي التحقت، كما سبق أن ذكرنا، بلجنة التحكيم الرسمية وإلى جانب فوزي بن سعيدي وهو يمثل حالة أخرى، قيمة فنية حقيقية تفسّر وجوده في « أسبوع السينمائيين »، إلى جانب هؤلاء قدم هذه السنة مجموعة من المخرجين الشبان مثل كمال لزرق وأسماء المدير وزينب وكريم. إذا أضفنا إليهم كوثر بن هنية من تونس وهي أصبحت من الأعلام البارزة في الجيل الجديد والسوداني محمد كردفاني والسينغالية روزين مباكام يمكن فعلا التماس رغبة مهرجان كان في احتضان المواهب الشابة القادمة من هذه البلدان وخاصّة منها النسائية.
والجوائز الأولى التي أعلن عنها بالأمس تؤكد هذا التحوّل
جائزة الحرية ل »وداعا جوليا » لمحمد كردفاني وجائزة لجنة التحكيم ل »العصابات » للمخرج المغربي كمال لزرق وجائزة الإخراج للمغربية أسماء المدير عن « كذب أبيض » كما تحصّلت كوثر بن هنية على جائزتين، جائزة « السينما الإيجابية » التي سلمتها إياها جمعية « السينما الإيجابية » التي يرأسها جاك آتالي كما نالت تنويها خاصّا من لجنة تحكيم جائزة فرانسوا شالي
هذا ولم ينته بعد المهرجان فقد تأتي جوائز أخرى رسمية…